5 نصائح للعناية بالأطفال أثناء جائحة فيروس كورونا: دليل شامل لحماية صحتهم النفسية والجسدية

في ظل جائحة فيروس كورونا (COVID-19) التي اجتاحت العالم وغيّرت أنماط الحياة اليومية بشكل جذري، كان الأطفال من بين الفئات التي تأثرت بشكل كبير على مستويات متعددة. إذ لم تقتصر تداعيات هذه الجائحة على الصحة الجسدية فقط، بل امتدت لتشمل الجوانب النفسية والاجتماعية والتعليمية. وبينما انشغل العالم بمكافحة الفيروس واحتواء انتشاره، أصبح من الضروري أن يحظى الأطفال باهتمام خاص، لضمان سلامتهم وحمايتهم، سواء في المنازل أو في المدارس أو خلال التنقلات اليومية.

تمثل العناية بالأطفال خلال الأزمات الصحية تحدياً حقيقياً، نظراً لحاجتهم المستمرة إلى الشعور بالأمان والاستقرار النفسي، إلى جانب ضرورة الاهتمام بصحتهم البدنية من خلال النظافة والتغذية السليمة والوقاية من العدوى. يتناول هذا المقال خمس نصائح محورية للعناية بالأطفال أثناء جائحة فيروس كورونا، تم اختيارها بناءً على توصيات الهيئات الصحية العالمية وخبرات الأطباء والأخصائيين النفسيين والتربويين، بهدف تقديم دليل متكامل وسهل التطبيق يساعد الأسر على تجاوز هذه المرحلة الحساسة.

1. تعزيز الوعي الصحي لدى الأطفال بطريقة مناسبة لأعمارهم

يعد تثقيف الأطفال حول فيروس كورونا خطوة جوهرية للوقاية، ولكن هذا التثقيف يجب أن يتم بطريقة تتناسب مع مستوى إدراكهم ومرحلتهم العمرية. يجب أن يتم تقديم المعلومات بلغة مبسطة وواضحة، بعيدًا عن بث الذعر أو تضخيم المخاطر، وذلك بهدف بناء فهم واقعي وتحفيزهم على الالتزام بإجراءات الوقاية دون خوف زائد.

ينبغي التركيز على شرح الأمور الأساسية مثل أهمية غسل اليدين بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية، وتغطية الفم والأنف عند العطس أو السعال، وعدم لمس الوجه بالأيدي، والحفاظ على مسافة آمنة مع الآخرين. يمكن استخدام القصص المصورة، والرسوم التوضيحية، والألعاب التفاعلية لتوضيح هذه المفاهيم بطريقة مرحة ومحفزة.

كما أن من الضروري توضيح أهمية ارتداء الكمامات في الأماكن العامة، مع توضيح أنها وسيلة للحماية وليست عقابًا أو أمرًا مخيفًا. ويجب تشجيع الأطفال على طرح الأسئلة والإجابة عنها بصدق وطمأنينة، دون الاستخفاف بمخاوفهم، مما يعزز شعورهم بالأمان والثقة بالوالدين.

2. الحفاظ على نظام يومي منظم ومتوازن

أثرت جائحة كورونا على روتين الحياة اليومية لدى الكثير من الأسر، مما أدى إلى اضطراب في مواعيد النوم والاستيقاظ، وتراجع الالتزام بالأنشطة التعليمية والترفيهية. الأطفال بطبيعتهم يحتاجون إلى بيئة مستقرة ونظام يومي واضح ليشعروا بالأمان والاستقرار. لذا، من المهم تنظيم يوم الطفل بطريقة تحاكي الوضع المدرسي قدر الإمكان، حتى وإن كان يتعلم عن بعد.

ينبغي تحديد أوقات ثابتة للنوم والاستيقاظ، وأوقات للوجبات، وأخرى للدراسة، والترفيه، والأنشطة البدنية. إن خلق روتين منظم يساهم في تقليل التوتر والانفعالات السلبية، كما يحفز الأطفال على الشعور بالإنجاز والانضباط. ويمكن تخصيص مساحة خاصة للدراسة، حتى في حال ضيق المساحة، لتعزيز التركيز وتفادي التشتت الذهني.

كما أن دمج فترات الراحة واللعب في الجدول اليومي يعتبر عنصرًا حيويًا لدعم الصحة النفسية، ويفضل أن تتنوع الأنشطة بين تلك التي تتطلب حركة جسدية وتلك التي تنمي المهارات الذهنية والإبداعية، كالرسم، أو قراءة القصص، أو تركيب الأحاجي (Puzzles).

3. الاهتمام بالصحة النفسية والدعم العاطفي

من أكثر الجوانب تأثرًا لدى الأطفال خلال الأزمات هو الجانب النفسي. الخوف من المرض، الانفصال عن الأصدقاء، وتغير الروتين قد يثير مشاعر الحزن أو القلق أو حتى السلوك العدواني. لذلك، من الضروري أن يكون الوالدان أو القائمون على الرعاية على درجة من الوعي النفسي لكيفية ملاحظة التغيرات السلوكية أو العاطفية لدى الطفل.

يجب تخصيص وقت يومي للتحدث مع الأطفال والاستماع إليهم باهتمام وتعاطف. لا بد من إعطائهم فرصة للتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بحرية، دون إصدار أحكام أو التقليل من شأن مخاوفهم. كذلك، فإن توجيه الأطفال نحو الأنشطة التي تعزز الاسترخاء النفسي مثل تمارين التنفس العميق، أو الموسيقى الهادئة، أو التأمل الموجّه للأطفال، يساهم في تقليل مستويات التوتر لديهم.

كما ينصح بالابتعاد عن تعريض الأطفال لأخبار متواصلة حول عدد الإصابات والوفيات، إذ أن هذا الأمر يؤثر سلبًا على نفسيتهم، خاصة إذا لم يكن لديهم القدرة على معالجة هذه المعلومات. وفي حال ظهور علامات اضطراب نفسي مستمر مثل الانعزال، اضطراب النوم، أو فقدان الشهية، يفضل استشارة مختص نفسي لمتابعة الحالة.

4. توفير التغذية السليمة والنشاط البدني المنتظم

في ظل الظروف التي فرضتها الجائحة، يميل الكثير من الأطفال إلى قضاء وقت طويل أمام الشاشات مع قلة الحركة، إلى جانب تناول وجبات غير صحية غنية بالسكريات والدهون. هذا النمط السلوكي قد يؤدي إلى مشاكل صحية تتعلق بالمناعة، الوزن، والنمو الجسدي والعقلي.

من الضروري الحرص على تقديم وجبات غذائية متوازنة تحتوي على جميع العناصر الأساسية مثل البروتين، الفيتامينات، الكالسيوم، الحديد، والزنك، وهي عناصر ضرورية لدعم جهاز المناعة والقدرة الذهنية. ينصح بالإكثار من الخضروات، الفواكه، الحبوب الكاملة، اللحوم الخالية من الدهون، والأسماك. كما يجب تقليل استهلاك المشروبات الغازية والوجبات الجاهزة قدر الإمكان.

إلى جانب الغذاء الصحي، يجب تخصيص وقت يومي لممارسة النشاط البدني، حتى داخل المنزل. يمكن تشجيع الأطفال على الرقص، القفز بالحبل، أداء تمارين بسيطة، أو المشاركة في ألعاب حركية عائلية. النشاط البدني لا يساهم فقط في تحسين الصحة الجسدية، بل يعزز الحالة النفسية ويقلل من أعراض القلق والاكتئاب.

5. تعزيز التواصل الاجتماعي الآمن والبناء

تسبب الانقطاع عن المدارس والأنشطة الجماعية في تقليص فرص الأطفال للتواصل الاجتماعي المباشر، مما قد يؤدي إلى شعور بالعزلة والانغلاق. ومع ذلك، لا ينبغي أن يعني الحفاظ على التباعد الجسدي انقطاعاً كاملاً عن العلاقات الاجتماعية. يمكن استخدام الوسائل التقنية مثل المكالمات المرئية والبريد الإلكتروني لتقوية الروابط مع الأصدقاء والأقارب.

من المهم أن يتم توجيه الأطفال إلى استخدام التكنولوجيا بطرق إيجابية وآمنة، مثل المشاركة في أنشطة تعليمية جماعية على الإنترنت، أو مشاهدة أفلام مفيدة مع العائلة، أو ممارسة ألعاب إلكترونية تحت إشراف الأهل. كما يجب مراقبة المحتوى الذي يتعرض له الطفل عبر الإنترنت، مع تحديد وقت معين للاستخدام، بما لا يؤثر على النوم أو الواجبات المدرسية.

يمكن أيضاً تنظيم جلسات افتراضية للتواصل مع زملاء الدراسة، مما يساعد على تقليل الإحساس بالفقدان الاجتماعي. وفي حال توفر بيئة آمنة وضمن الضوابط الصحية، يمكن للأطفال اللعب في الهواء الطلق مع التزام التباعد وارتداء الكمامات، ما لم تتعارض هذه الإجراءات مع توجيهات السلطات الصحية المحلية.

جدول: مقارنة بين ممارسات العناية المثالية بالأطفال وممارسات خاطئة خلال الجائحة

في خضم التحديات المعقدة التي فرضتها جائحة كورونا، أصبحت مسؤولية العناية بالأطفال مضاعفة، وتتطلب مزيجًا من الحذر، الوعي، والمبادرة. إن تطبيق هذه النصائح لا يضمن فقط حماية الأطفال من خطر العدوى، بل يعزز مناعتهم النفسية والبدنية، ويدعم نموهم المتوازن في بيئة تتسم بالحب، الاستقرار، والمرونة.

المراجع:

1. منظمة الصحة العالمية (WHO) – التوجيهات الخاصة بالأطفال خلال جائحة كوفيد-19.

2. الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) – الإرشادات النفسية والتعليمية للأهل أثناء الأزمات.